القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
فتاوى في الطهارة الشرعية وموجباتها
14683 مشاهدة print word pdf
line-top
الفصل الرابع صفة الوضوء المجزئ والكامل

عليه (أولا) النية، وهي العزم والقصد، ومحلها القلب، ولا حاجة إلى التلفظ بها، فإن ذلك غير مشروع، وقد عرف أن من عزم على الوضوء وتوجه إلى الحمام وقت الصلاة، فإنه قد نوى وعزم على استعمال الماء لرفع الحدث واستباحة الصلاة؛ فلا حاجة إلى التكلف بتحريك القلب أو اللسان بالنية، فإنها موجودة؛ ولهذا لو سئل من توجه إلى بيت الماء وقت الصلاة: ماذا تريد؟ لنطق بما في قلبه فيقول: أتوضأ للصلاة التي حان وقتها. وقد ذكر في الشروط أنه لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة.
ثم بعد النية وبعد الاستنجاء -إن احتيج إليه- يبدأ في أعضاء الوضوء، فيسمي بقوله: بسم الله. ويغسل كفيه ثلاثا؛ لأنها الآلة التي يغترف بها الماء ويستعمله بها في أعضائه، وغسلهما سنة للتنظيف، لكن إن كان قد استيقظ من نوم ليل مستغرق وجب غسلهما ثلاثا قبل إدخالهما الماء؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده متفق عليه والمبيت هو النوم ليلا، فيلزم غسلهما بعد نوم الليل، ويستحب لغير النوم.
ثم بعد غسل اليدين يتمضمض ويستنشق، فيأخذ غرفة ماء بيده ويجعلها في فمه، وبعضها في منخريه، ويحرك الماء الذي في فمه ثم يمجه، والأفضل أن يدلك أسنانه بأصبعه مع تحريك الماء، ويكرر المضمضة ثلاثا، وكذا الاستنشاق الذي هو إدخال الماء في الأنف واجتذابه بقوة النفس ثم إخراجه لتنظيف الأنف من المخاط ونحوه، ويجوز أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، كل غرفة يجعل بعضها في فمه وبعضها في أنفه، ويجوز بأكثر من ذلك، والمضمضة والاستنشاق واجبات، وهما من تمام غسل الوجه، فإن كل من وصف وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- غالبا يذكرهما، وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للقيط بن صبرة إذا توضأت فمضمض رواه أبو داود وغيره وفي رواية عند أهل السنن قال له: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما وغير ذلك من الأدلة الصريحة، ويجوز تأخير المضمضة والاستنشاق عن الوجه، والأفضل تقديمها كما ورد في صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عثمان بن عفان وغيره.
وبعد المضمضة والاستنشاق يغسل وجهه ثلاثا، وصفة ذلك أن يأخذ بيمينه غرفة من ماء، ويضيف إليها يده اليسرى، ويغسل بهما وجهه، بأن يدلك الوجه بيديه وفيه الماء، وحد الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد، إلى أسفل الوجه وهو الذقن واللحية، وحده عرضا إلى أصول الأذنين، ويغسل ما فيه من الشعر الخفيف وما تحته من البشرة، ويدخل في شعر العارضين، وشعر الذقن، وشعر العنفقة، فإن كان الشعر كثيفا اكتفى بغسل ظاهره، ولكن يسن تخليل الشعر بإدخال الأصابع بين الشعر ودلكه، وغسل ما تحته من البشرة، وتكون كل غسلة بغرفة واحدة، ويجوز أن يغسل أعلاه بغرفة وأسفله بأخرى.
والحكمة من غسله أنه مجمع الحواس؛ ففيه السمع والبصر والشم والذوق والنطق، ولأنه يلاقي الهواء والغبار، ويتحلل منه اللعاب والنخام والمخاط والدمع ونحوه، وفي ذلك أيضا تنشيط وتقوية وإذهاب لآثار النعاس والكسل.
ويغسل بعده اليدين، واليد اسم للكف والذراع والعضد، وقد حدد الله الغسل إلى المرفقين، والمرفق هو المفصل بين الذراع والعضد، فيأخذ غرفة بكفه اليمنى ويسيلها على ذراعه، ثم يدلك بيده اليسرى كفه اليمنى وذراعها، ويدير يده على المرفق، ويخلل أصابعه بإدخال بعضها في بعض، يفعل ذلك ثلاثا، ثم يغترف بيمينه غرفة فيغسل بها يده اليسرى، بأن يصبها على كفه وذراعه، ويدلك الذراع كله والمرفق والكف، ويخلل الأصابع ثلاث مرات، ويجوز أن تكون الغسلة بغرفة واحدة أو بأكثر.
ولا بد من إمرار اليد على العضو الذي يريد غسله مع الدلك والمبالغة، وهو المراد بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث لقيط أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع رواه أحمد وأهل السنن .
ثم بعد اليدين يمسح رأسه كله، والرأس هنا مـا ينبت فيه الشعر غالبا؛ وذلك بأن يغترف غرفة بيمينه، فيبل بها كفيه ثم يمسح رأسه، بأن يلصق كفيه بمقدم رأسه وناصيته، فيمر بهما على منابت الشعر إلى قفاه، وهو مؤخر الرأس مما يلي الرقبة من خلفه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، مسحة واحدة يعم بها وسط الرأس وجانبيه، ويمسح أذنيه ببلل يديه، فإن رفعهما بعد مسح رأسه أخذ لهما ماء جديدا استحبابا، فيدخل السبابتين في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، ولا يلزمه تتبع غضاريف الأذنين الداخلة، كما لا يلزمه غسل داخل أذنيه أو عينيه؛ لما في ذلك من المشقة.
ثم يختم بغسل قدميه أي أسفل رجليه، فيغترف بيمينه ويصب على القدم ويدلكها بيده الأخرى، ويجوز الدلك باليدين معا، ويخلل أصابع الرجل، بإدخال أصابع يديه بين كل أصبعين من أصابع القدم؛ للتأكد من بلوغ الماء إلى ما بين الأصابع، ويتعاهد الأخمص الذي هو المنعطف في بطن القدم، وكذا يدلك الأعقاب وهي مؤخر الأقدام المنخفضة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار رواه أحمد وغيره ورجاله ثقات، وحدُّ غسل القدم إلى الكعبين، وتدخل الكعب في الغسل، والكعب هو العظم الناتئ في ظهر القدم، ففي كل قدم كعبان، ومنتهى الكعب هو مستدق الساق، فيغسل كل قدم إلى منتهى الكعبين، وهذا الغسل ينتهي الوضوء.
ويشرع بعده التشهد، فيرفع بصره إلى السماء ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم وله الدعاء بما تيسر.
وإن اقتصر على غسلة واحدة لكل عضو أجزأه ذلك، والغسلتان أفضل من الواحدة، والأكمل ثلاث غسلات لكل عضو إلا الرأس فلا يشرع تكرار مسحه.

line-bottom